كرميون من بلدي:
الدكتور عبد المجيد عبد الله مصطفى تايه (1932–1995):
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
(اعداد وتقرير علي ابو حبله وعبد البري) .
المقدمة:
طبيب ومناضل قومي فلسطيني بين البعث ومنظمة التحرير حيث
شكّل الدكتور عبد المجيد عبد الله مصطفى تايه واحدًا من النماذج الفلسطينية التي جمعت بين العمل الأكاديمي الطبي والالتزام السياسي القومي. فقد تنقل بين طولكرم، القاهرة، الكويت، لندن، بغداد، وعمان، جامعًا في مسيرته بين العلم والعمل الطبي من جهة، والانخراط العميق في النضال الوطني والقومي من جهة أخرى. وبصفته عضوًا بارزًا في حزب البعث العربي الاشتراكي ومؤسسًا في منظمة التحرير الفلسطينية، فقد ترك بصمات سياسية وفكرية مهمة، خاصة عبر مواقفه المعارضة لاتفاق أوسلو، والتي جعلته رمزًا للتيار القومي الرافض للتسوية المجحفة بحقوق الشعب الفلسطيني
النشأة والتعليم:
وُلد في مدينة طولكرم عام 1932، وسط بيئة اجتماعية وسياسية تفاعلت مع أحداث النكبة لاحقًا. أكمل دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس طولكرم، وحصل عام 1950 على شهادة الثانوية العامة من المدرسة الفاضلية، وهي إحدى أعرق المدارس الفلسطينية التي تخرج منها عدد كبير من قادة الفكر والسياسة.
انتمى خلال دراسته الثانوية إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وكان من الناشطين في نشر الفكر القومي بين أوساط الطلبة . انتقل إلى جامعة القاهرة لدراسة الطب، حيث تخرج طبيبًا، وفي تلك الفترة نشط بقوة في رابطة الطلبة الفلسطينيين إلى جانب قيادات شبابية مثل ياسر عرفات وخليل الوزير. وتولى عامي 1956–1957 رئاسة اللجنة الإعلامية لاتحاد الطلبة الفلسطينيين في مصر، كما شارك متطوعًا في الجبهة الداخلية المصرية إبان العدوان الثلاثي على مصر 1951
لاحقًا، وبعد إبعاده من الكويت عام 1966 بسبب نشاطه السياسي، أكمل دراسته العليا في جامعة لندن، حيث تخصص في طب النساء والتوليد، وحصل على دبلوم عالٍ. وخلال وجوده في بريطانيا أسس رابطة الأطباء العرب، وهو ما شكّل امتدادًا لنشاطه النقابي والطلابي في القاهرة.
العمل الطبي والأكاديمي:
زاوج بين الطب والالتزام القومي. ففي الكويت عمل طبيبًا حتى إبعاده، وفي بريطانيا مارس الطب في مستشفيات لندن. لكن انتقاله عام 1972 إلى بغداد كان نقطة تحول في مسيرته، إذ عُيّن رئيسًا لقسم أمراض النساء والولادة في المدينة الطبية، وعمل أستاذًا في كلية الطب بجامعة بغداد. وقد أسهم في تخريج أجيال من الأطباء العرب والفلسطينيين.
كما شارك في مؤتمرات طبية عربية ودولية، وكان عضوًا في المجلس الأعلى لاتحاد الأطباء العرب، وناشطًا في النقابات الطبية الفلسطينية والعربية .
النشاط السياسي والمؤسساتي:
انتُخب منذ أوائل السبعينات عضوًا في المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي حتى وفاته، وشارك في صياغة المواقف السياسية الفلسطينية في لحظات مفصلية.
كان عضوًا في المكتب التنفيذي لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وتولى منصب نائب رئيس الجمعية منذ أوائل الثمانينات، كما كان له دور في تنظيم المساعدات الطبية والإنسانية للفلسطينيين في الشتات.
عام 1984 كُلّف بمقررية لجنة تقصي الحقائق الفلسطينية المنبثقة عن المجلس الوطني. وفي 1987 كان ضمن خمس شخصيات شكلت لجنة مكتب الحوار الفلسطيني، التي هدفت لتقريب وجهات النظر بين الفصائل. وفي أبريل 1990 كُلّف بعضوية لجنة إعادة تشكيل المجلس الوطني. ثم انتُخب عام 1992 عضوًا في لجنة متابعة أوضاع المبعدين إلى مرج الزهور بلبنان، وهو ما يؤكد حضوره في القضايا الميدانية والوطنية الكبرى .
موقفه من اتفاق أوسلو:
رفض عبد المجيد تايه اتفاق أوسلو منذ طرحه على المجلس المركزي عام 1993، وصوّت ضده مؤكدًا أنه “لا يجوز التفريط بالثوابت الوطنية الفلسطينية”. كان يرى أن الاتفاق أعاد إنتاج التبعية للاحتلال، وحذّر من أن نتائجه ستكون كارثية على مشروع التحرر الوطني. لذلك، وبعد توقيع الاتفاق، رفض العودة إلى الأراضي الفلسطينية، وغادر العراق ليستقر في عمان، حيث افتتح عيادة خاصة وظل ملتزمًا بخطه السياسي حتى وفاته .
وفاته وتكريمه :
توفي فجر يوم 30 مارس 1995 في العاصمة الأردنية عمّان، ونُقل جثمانه إلى مسقط رأسه طولكرم حيث دُفن. نعاه الرئيس ياسر عرفات، والرئيس العراقي صدام حسين، وعدد من القادة الفلسطينيين والأردنيين والعراقيين، ومن أبرزهم طاهر المصري، رئيس الوزراء الأردني الأسبق. وقد أقيمت بيوت عزاء في عمّان وطولكرم شاركت فيها وفود سياسية وشعبية واسعة .
تكريمًا له، أطلقت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية اسمه على مدرسة أساسية للذكور في طولكرم
إضافات جديدة:
الدور النقابي العربي:
تشير بعض الوثائق إلى أنه كان مشاركًا نشطًا في مؤتمرات اتحاد الأطباء العرب، خاصة في عمان والقاهرة مطلع الثمانينات، حيث دافع عن حق الشعب الفلسطيني في الرعاية الصحية في المخيمات والشتات.
صلة خاصة مع العراق:
لعب دورًا بارزًا في توطيد العلاقات الفلسطينية–العراقية، وأسهم في تسهيل المنح الدراسية للفلسطينيين في الجامعات العراقية، إلى جانب دعمه للطلاب الفلسطينيين في كلية الطب بجامعة بغداد.
رابط بين التيارين القومي والوطني:
مثّل شخصية توافقية بين البعثيين الفلسطينيين وحركة فتح، حيث احتفظ بعلاقة قوية مع صدام حسين وفي الوقت نفسه ظل مقربًا من ياسر عرفات، ما جعله قناة تواصل سياسية بين بغداد وتونس في الثمانينات والتسعينات.
الخاتمة:
يُجسّد الدكتور عبد المجيد تايه نموذجًا للمثقف–المناضل الذي جمع بين مهنة الطب والعمل الوطني والقومي. فقد ظل ثابتًا على مبادئه الرافضة لأي انتقاص من حقوق الشعب الفلسطيني، وعمل على تعزيز العلاقات الفلسطينية العربية، خاصة مع العراق. وإذ رحل عام 1995، فإن سيرته بقيت شاهدًا على جيل من المناضلين الذين جمعوا بين المعرفة العلمية والالتزام السياسي، وظلوا أوفياء لفلسطين حتى اللحظة الأخيرة من حياتهم.
(المصدر: صحيفة صوت العروبة - 2025/9/20)
شارك بتعليقك